مُعَالَجَةُ الإمَارةِ الإسلامِيَّةِ لِلنِّظَامِ التَّعلِيمِي فِي أفغانستان
من المسائل التي كثر الجدلُ حولها وضخمها الإعلام في العالم مسألة معالجة الإمارة الإسلامية للنظام التعليمي في أفغانستان وكيفية التعاطي معه، ولا يخفى على أحد أنّ هذا البلد يعاني من إرث ثقيل خلّفه الاحتلال الأمريكي على كافة الأصعدة ولا سيما على صعيد المناهج الدراسية التي خضعت للتغيير طيلة فترة الاحتلال وأُقحم فيها كُل غث وسمين، وهذا هو دأب الاستعمار في كل دولة امتدت إليها أيديهم ووقعت في براثنها من خلال الاستعمار المباشر وغير المباشر.
الوضع التعليمي في زمن المحتل
لقد قام الاحتلال متمثلا في الحكومة العميلة بإغداق الأموال على أعضاء اللجان المخولة إليها إعداد المناهج الدراسية حسب الخُطة المرسومة من قِبل الاحتلال، فتم إبعادُ كل كلمةٍ تُقدسُ الجهاد أو ترمز إِلى مقاومةِ المُحتل، ولم يتعمّد الاحتلالُ ذلك إلا لحاجةٍ فِي نفسه كي يُفقدَ نظامنا التعليمي العمق والرقة والسمو، وقوة المقاومة، وصلاحية الإبداع، وإشعال القرائح وتدفقها، ليُصبح نظاما خشبيا جامدا لا حياة فيه ولا حركة، ولا نمو فيه ولا ازدهار، ولتغدو مراكزنا الثقافية وجامعاتنا الإسلامية مراكز حياة رتيبة جامدة يسود عليها الركود، ويهيمن عليها الجمود، وتتحكم فيها القوانين واللائحات، والأشد من ذلك هو استبعاد الجِيل الناشئ عَن كُل مَا يُثِيرُ النخوة والعزَّة ومُقاومة الغازين ويغرسَ فِي نفوسهم الخناعة وقبول الاحتلال بشتى أنواعه.
كارثة الاختلاط
من أهم ما تجدرُ الإشارةُ إليه مِن الطامات التي خلفها الاحتلال هو الاختلاط بين الطلاب والطالبات في الصفوف الدراسية بعد المرحلة الثانوية وذلك ضمن مشروع هدام يضرِبُ الشعب الأفغاني في مقتله متمثل في تغريب المجتمع الأفغاني وجرّه نحو الفحشاء والميوعة واستئصال الفضيلة والحياء من جذورها فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها ومن ثم يتمكن المحتلُّ من التحكُّم فيه وتوجيهه إلى حيث يريد ولكن هيهات، وصدق الله تعالى إذ يقول: وَدُّوا لو تكفرُونَ كَمَا كفرُوا فتكونون سواء.
الوضع التعليمي بعد الفتح
جاء الفتحُ واندحر المحتل وظهرَ أمرُ الله واستتب الأمن في ربوع البلاد واستقرت الأوضاع بفضل الله تعالى، لكنَّ المسؤولية التي يحملها رجال أفغانستان ما كانت لتنتهي بكسر المحتل في ميدان المعركة فحسب، وإنّما بدأت تنتقلُ إلى مرحلةٍ أخرى هي الأشدُّ والأصعب، فحينما دخل الفاتحون العاصمة ووجدوا أن الجامعات ما زالت تتبع النظام التعليمي المختلط أصدرت الإمارةُ الأوامر بإعلانِ ما يُشبه حالةَ الطوارئ في الجامعات والمراكز التعليمية، فتم حظرُ الاختلاط باكرًا، ثم أعقبه الإعلانُ عن وظائف شاغرة لتوظيف أمهر الكوادر للإسراع في تحريك عجلة إصلاح المناهج من جديد بدءًا من المرحلة الإبتدائية وانتهاء بالمرحلة الجامعية، فاستغرق انتقاء الكوادرِ زمنًا ليس باليسير كي يتمّ اختيارهم بدقّةٍ وأناةٍ وذلك بعد أن اجتازوا ضروبا من الإختبارات التخصصية والعقدية وغيرها، وبعد التمحيص الدَّقيق الذي خضعت لها لجنة إصلاح المناهج شرعت في عملها وما زالت تعمل جاهدةً في إعداد منهجٍ يستند إلى الشريعةِ الغراء ملبس بالثقافة الأفغانية الأصيلة، فأنّى لدَولةٍ وَليدةٍ أن تَصنَعَ المعجزاتِ وتخرقَ العاداتِ لتُنجزَ ما عجزَ عن إكماله سابقتها رغم الفارق الكبير في الإمكانيات والأجهزة والأموال والزمن، ومع ذلك فإنَّ النظامَ التَّعليمي مازال قائمًا على قدمٍ وساقٍ، بل وشهدَ نُموًّا بعد فترةِ الاحتلال واستقطبت المدارسُ أكبرَ عددٍ من التلاميذ مُحطِّمةً الأرقامَ التِي كانت تتبجَّح بها الحكومةُ الماضية إضافةً إلى إنشاء مدارسَ جديدةٍ في المناطقِ النّائية التي كانت مسرحًا للأعمال القِتالِية كما تمّ فتحُ عشراتِ المدارس التي كانت مغلقةً طيلة فترة الاحتلال بسبب سوء الوضع الأمني فيها.
تعليم البنات في حكم الإمارة
بقيت الإشارة إلى مسألةِ تعليم البناتِ التي أعطيت زخمًا في وسائل الإعلام وتمَّ خَضُّهَا أو أُرِيدَ لها ذلك في القنوات الفضائية فتؤكدُ الإمارةُ على أنَّها بصددِ معَالجةِ هذه القضيةِ من جُذُورِها وليس آنيًّا حتى تضمنَ للبناتِ جوًّا مُناسِبا للتعليم ومناهج دراسية مثمرة وبيئةً متميزةً تُمكّنها من الوصولِ إلى غايتها دونَ أن تخسرَ حياءها وآخرتها، وبالجملةِ فَإن الإمارة الإسلامية تولي أهميتها للتعليم بمختلف أنواعه وبكافة أشكاله وللجنسين معا، لكنها تواجه التحديات التي أشرنا إلى بعضها وتسعى سعيها نحو التّغلُّبِ عليها بِكل الوسائل المُتاحةِ والممكنة.