القضاء والحكم في عصر الإمارة الإسلامية
بقلم: محمد الحقاني
المستشار القضائي في محكمة الاستئناف في العاصمة كابل
الإنسان مدني بطبعه، فلا يستطيع العيش بمفرده ومنفصلاً عن الناس، ولا يستطيع تلبية احتياجاته دون غيره من البشر؛ بل يحتاج البشر إلى بعضهم البعض في هذه الحياة الدنيا، لذلك من الضروري أن يعيش البشر في مجتمع ويتفاعلون مع بعضهم البعض؛ للقيام بالمعاملات والبيع والشراء وغيرها من الأمور التي يحتاجونها.
لذلك تحدث المشاكل بين البشر بناءً على التعامل والبيع والشراء وغيرها من التعاملات، وفي بعض الأحيان تحدث هذه المشكلات بين شخص ضعيف وشخص قوي لذا كان لزامًا أن تتوفر الجهات القضائية لضبط المعاملات في أي مجتمع.
أهمية القضاء في حياة الناس
لهذا السبب، ولمنع الظلم لا بد من وجود محكمة عدل، أن يكون هناك قاضٍ يفصل بين الناس في كل تلك الأمور و غيرها.
ولذلك فإن توظيف القاضي في الإسلام واجب شرعي وضرورة إنسانية لا بد منها لضبط العدالة الإجتماعية لردع الظالمين ورد الحقوق للمظلومين.
فالحكم و القضاء من أهم المسائل في الإسلام، وبما أن قيام الحكومة الإسلامية أمر ضروري للمسلمين، فإن القضاء يعتبر من الواجبات الأساسية والهامة للحكومة الإسلامية.
و وظیفة القاضي في الحكومة الإسلامية هو الفصل في الخصومات بين الناس، وإيصال الحق إلى أصحاب الحق، وقص يد الظالم والمعتدي عن الظلم والتعدي، وتحديد عقوبة مثيري الشغب وفقا لحكم الشريعة، و لإقامة الحدود والقصاص، وغير ذلك من الأمور المهمة.
وهذا يعني أن النظام الإسلامي هو الضامن للسلام والثروة ومكانة الناس. وفي الواقع، فإن هذا السلام والأمن يأتي عندما يعمل القضاء في النظام الإسلامي بشكل جيد ويتم تطبيق الشريعة بشكل صحيح.
وباختصار، فإن الأمن والأمان لا يتحقق بقوة البندقية، بل فقط عن طريق العدالة الشرعية والعدالة الإسلامية.
ولمكانة القضاء السامية الجليلة تولاه الرسل فحكموا بين الناس، قال تبارك و تعالي ‹ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ›
و قال عز و جل لرسوله محمد صلی الله علیه وسلم ‹ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا›
القضاء والحكم في أفغانستان
ومنذ أن حصلت أفغانستان على حريتها من قوات الاحتلال الدولية وخضعت لحكم نظام الشريعة، برز القضاء كجهاز مهم ورئيسي في واقع الناس.
يمارس القضاء في الإمارة الإسلامية جميع أنشطته في جميع إجراءاته القضائية، وحتى في الإجراءات الإدارية،في ضوء مبادئ الشريعة الإسلامية وخاصة المذهب الحنفي. ويؤدي القضاء أعماله خطوة بخطوة في ضوء تفاصيل الفقه الشرعي.
ولكي يكون قضاة الإمارة الإسلامية دقيقين في عملهم وفي إطار مبادئ الشريعة الإسلامية، فقد أقرت الهيئة المشرفة لقيادة الإمارة الإسلامية لوائح خاصة للمحاکم و الإجراءات القانونية والإدارية للمحاكم القضائية. وهي مبنية على مبادئ الشريعة، مأخوذة من التفاصيل الفقهية ويجب على جميع القضاة الالتزام بها.
وفي هذا المبدأ و اللوائح الخاصة يتم توضيح كيفية وصول الدعوى (سواء كانت قضية قانونية أو جنائية) إلى المحكمة وكيف يتم البحث القضائي فيها خطوة بخطوة.
وكذلك قرار المحكمة هو قرار شرعي ويتم وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.
ويجب على القاضي، عند اتخاذ قراره، أن يبني قراره على الأدلة الشرعية ( الإقرار ، شهادة الشهود، الحلف ، النكول الأدلة القاطعة، وغيرها)، ولكل منها تفاصيله الخاصة.
وبنفس الطريقة يجب على القاضي أن يطلب من المفتي الرسمي للمحكمة الفتوى الشرعية بشأن الدعوى المطروحة و علي المفتي أن يفتي بشأن الدعوى المطروحة وفقًا لإصول الفتوى و مستدلاً بجزئيات الفقه الحنفي.
و إذا لم يتم مراعاة اللوائح وكذلك مواد القانون الشرعي الخاص بالمحاكم، فسيتم نقض قرار المحاكم الأدنى من قبل المحاكم العليا (الاستئناف أو التميز).
ولمزيد من التوضيح والتفصيل سأشارككم في المستقبل بشكل مختصر مثالاً لعملية المحاكمة وإجراءاتها معكم في المقالات القادمة بإذن الله.